تعريف جريمة الاتجار بالبشر في الاتفاقيات الدولية والقانون المغربي
تعد جريمة الاتجار بالبشر من أخطر الجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل صارخ، وتشمل استغلال الأفراد رجالاً ونساءً وأطفالاً بطرق غير قانونية ومهينة للكرامة الإنسانية، لذلك ما فتئت الصكوك الدولية والتشريعات الوطنية تولي اهتماما بالغا لهذا النوع من الجرائم، وذلك بداية من التعريف بها من الناحية القانونية وما يكتسيه هذا الأمر من أهمية في معرفة واكتشاف حالات الاتجار بالبشر سواء تمت داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية.
![]() |
تعريف الاتجار بالبشر في الاتفاقيات الدولية
يعد بروتوكول الأمم المتحدة -باليرمو- لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأفراد وبخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 أهم تشريع دولي يعرف بشكل صريح الاتجار بالبشر.
تعريف الاتجار بالبشر وفقا لبروتوكول باليرمو
جاء في المادة 3 من بروتوكول باليرمو تعريف الاتجار بالبشر كما يلي:
"لأغراض هذا البروتوكول:
(أ) يُقصد بمصطلح "الاتجار بالأشخاص" تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء؛
(ب) لا تكون موافقة ضحية الاتجار بالأشخاص على الاستغلال المقصود المبين في الفقرة الفرعية (أ) محل اعتبار في الحالات التي يكون قد استخدم فيها أي من الوسائل المبينة في الفقرة الفرعية (أ)؛
(ج) يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال "اتجاراً بالأشخاص"، حتى إذا لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبرنة في الفقرة الفرعية (أ) ن هذه المادة؛
(د) يقصد بتعبير "طفل" أي شخص دون الثامنة عشرة من العمر".
شرح المادة 3 من بروتوكول باليرمو
تتناول المادة أعلاه تعريف جريمة الاتجار بالبشر، وذلك كما يلي:
▪︎ الفقرة (أ):
- تعريف الاتجار بالبشر: تحدد المادة أن الاتجار بالأشخاص يشمل مجموعة من الأفعال التي تهدف إلى استغلال شخص ما، وهذه الأفعال تشمل: التجنيد، النقل، التنقيل، الإيواء، والاستقبال.
- الوسائل المستخدمة: تشير المادة إلى مجموعة متنوعة من الوسائل التي يمكن استخدامها لإجبار شخص ما على الدخول في حالة من الاستغلال، وهي التهديد بالقوة أو استعمالها أو أي شكل من أشكال القسر، الاختطاف، الاحتيال، الخداع، استغلال السلطة، استغلال الضعف، إعطاء وتلقي مبالغ مالية أو مزايا من أجل نيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر.
- أشكال الاستغلال: تحدد المادة مجموعة من الأشكال الشائعة للاستغلال التي يرتبط بها الاتجار بالأفراد منها ما هو جنسي واجتماعي واقتصادي، وهي مذكورة على سبيل المثال: استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، السخرة أو الخدمة قسراً، الاسترقاق أوالممارسات الشبيهة بالرق، الاستعباد أو نزع الأعضاء.
▪︎ الفقرة (ب):
- عدم الاعتداد بالموافقة: تؤكد هذه الفقرة على أن موافقة الضحية على الاستغلال لا تلغي جريمة الاتجار، إذا كانت هذه الموافقة قد تم الحصول عليها باستعمال الوسائل المذكورة أعلان، أي استعمال القوة أو التهديد به أو الاختطاف أو الاحتيال... إلخ.
▪︎ الفقرة (ج):
- الاتجار بالأطفال: تشدد هذه الفقرة على أن تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال طفل بغرض الاستغلال يعتبر اتجاراً بالبشر، حتى لو لم يتم استخدام أي من الوسائل المذكورة في الفقرة (أ)، وهذا يعني أن الأطفال هم فئة ضعيفة بشكل خاص أمام جريمة الاتجار.
▪︎ الفقرة (د):
- تعريف الطفل: تحدد المادة أن أي شخص دون سن الثامنة عشرة يعتبر طفلاً، وبالتالي فهو يحظى بحماية خاصة من أفعال جريمة الاتجار بالبشر.
تعريف الاتجار بالبشر في القانون المغربي
عرف المشرع المغربي جريمة الاتجار بالبشر ضمن مجموعة القانون الجنائي المغربي وخصص لها فرعا مستقلا، ويتعلق الأمر بالفرع السادس من الباب السابع المتعلق بالجنايات والجنح ضد الأشخاص الذي يقع تحديدا في الجزء الأول من الكتاب الثالث من نفس القانون (¹).
تعريف الاتجار بالبشر في القانون الجنائي المغربي
الفصل 1-448 من مجموعة القانون الجنائي الاتجار بالبشر كما يلي:
"يقصد بالاتجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصوص على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
لا يشترط استعمال أي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه لقيام جريمة الاتجار بالبشر تجاه الأطفال الذين تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة بمجرد تحقق قصد الاستغلال.
يشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي، لا سيما استغلال دعارة الغير والاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي، ويشمل أيضا الاستغلال عن طريق العمل القسري أو السخرة أو التوسل أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها، أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء، أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة.
لا يتحقق هذا الاستغلال إلا إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية، بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابلا أو أجرا عن ذلك.
يقصد بالسخرة في مفهوم هذا القانون جميع الأعمال أو الخدمات التي تفرض قسرا على أي شخص تحت التهديد، والتي لا يكون هذا الشخص قد تطوع لأدائها بمحض اختياره. ولا يدخل في مفهوم السخرة الأعمال المفروضة لأداء خدمة عسكرية إلزامية، أو نتيجة إدانة قضائية، أو أي عمل أو خدمة أخرى تفرض في حالة الطوارئ".
شرح الفصل 848 مكرر 1 من القانون الجنائي المغربي
حدد الفصل 1-848 من القانون الجنائي تعريفا واضحا ومفصلا لجريمة الاتجار بالبشر وعناصرها، على النحو الآتي:
▪︎ الفقرة 1:
- أفعال الاتجار: تشمل هذه الأفعال مجموعة واسعة من الأفعال التي يقوم بها الجاني بهدف استغلال الضحية، مثل: تجنيد الشخص، استدراجه، نقله، إيواؤه، استقباله، أو الوساطة في هذه إتيان هذه الأفعال.
- الوسائل المستخدمة: يمكن للجاني استخدام مجموعة متنوعة من الوسائل لتحقيق أهدافه، مثل: التهديد بالقوة، استعمال القوة، استعمال مختلف أشكال القسر، الاختطاف، الاحتيال، الخداع، إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ، استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر.
- قصد الاستغلال: يشكل قصد الجاني في استغلال الضحية عنصرًا أساسيًا في جريمة الاتجار بالبشر، حيث ينبغي أن يكون قد أتى أفعال الاتجار بالبشر أو إحداها باستعمال الوسائل المذكورة إو إحداها بغرض استغلال الضحية.
▪︎ الفقرة 2:
- الاتجار بالأطفال: شدد المشرع على حماية فئة خاصة وهي الأطفال دون سن الثمانية عشر، من منطلق أن هذه الفئة تعتبر ضعيفة بشكل خاص وتُستهدف بشكل متكرر من قبل المتاجرين بالبشر.
- ورعيا لذلك، بسط عملية إثبات جريمة الاتجار بالأطفال، فبدلاً من إثبات استخدام وسيلة معينة من الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى، يكفي فقط إثبات أن مرتكب الجريمة كان ينوي استغلال الطفل.
▪︎ الفقرة 3:
- شمولية مفهوم الاستغلال: لا يقتصر مفهوم الاستغلال على شكل واحد محدد، بل يشمل مجموعة واسعة ومتنوعة من الأفعال والأعمال التي تمس بكرامة الإنسان وحريته.
- وقد أورد المشرع أمثلة عن مظاهر هذا الاستغلال محددا إياها في: جميع أشكال الاستغلال الجنسي كاستغلال دعارة الغير والاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي، الاستغلال عن طريق العمل القسري أو السخرة أو التوسل أو الاسترقاق الممارسات الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها، الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء، استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة.
▪︎ الفقرة 4:
- تعتبر هذه الفقرة بمثابة امتداد لماهية "الاستغلال" الذي يعد الهدف الأساسي من هذه جريمة الاتجار بالبشر، حيث تشير إلى أن الجاني في جريمة الاتجار بالبشر لا يكتفي بإتيان أفعال الاتجار باستعمال وسائل إعدام إرادة الضحية لغرض الاستغلال، بل يتعدى ذلك إلى السيطرة الكاملة على إرادة الضحية وحريته في اتخاذ القرارات، حيث يصبح الضحية أداة في يد الجاني، غير قادر على مقاومته أو الفرار أو التواصل مع العالم الخارجي.
- وكل ذلك بغض النظر عن الوسيلة المستعملة في سلب إرادة الشخص وإهدار كرامته، وعن وجود مقابل مادي من عدمه.
الفقرة 5:
- السخرة: حددت المادة مفهوم السخرة بوضوح، وأكدت على أنها تشمل جميع الأعمال أو الخدمات التي تفرض قسراً على أي شخص والمقترنة بالتهديد، ولا يدخل في مفهومها الأعمال المفروضة لأداء خدمة عسكرية إلزامية أو نتيجة إدانة قضائية أو في حالة الطوارئ.
بناء على ما سبق، يمكن القول أن ضبط التعريف القانوني لجريمة الاتجار بالبشر هو المنطلق الأساسي للتعرف عن ضحايا الاتجار بالبشر، من جهة، سواء من قِبَلِ عامة الناس للتبليغ عن حالة محتملة أو من طرف السلطات المختصة بإنفاذ القانون للبحث والتدخل في سبيل حماية الضحايا وضبط الجناة وتقديمهم إلى العدالة، ومن جهة أخرى لمساعدة القضاء في التحقق من مدى قيام الفعل الجرمي وإضفاء التكييف المناسب عليه.
بقلم: أشرف لمين
كاتب وباحث/مختص في العلوم القانونية
_______
الهامش:
(¹)- تم تتميم أحكام الباب السابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث بالفرع السادس أعلاه، بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.127 بتاريخ 21 من ذي القعدة 1437 (25 أغسطس 2016)؛ الجريدة الرسمية عدد 6501 بتاريخ 17 ذو الحجة 1437 (19 سبتمبر 2016)، ص 6644.
إرسال تعليق على: "تعريف جريمة الاتجار بالبشر في الاتفاقيات الدولية والقانون المغربي"
✍ شَارك رأيك ⌨ مع مُجتمع مركز القانون العربي 🎯
☜ يُرجى الالتزام بقواعد التعليقات ⚠. التعليقات التي تحتوي على إساءة أو تشهير أو دعاية أو محتوى مسيء لن يتم نشرها بعد المراجعة اليدويّة.