مفهوم الاغتصاب باستعمال القوة أو التهديد بها في قضية ولاية ماريلاند الأمريكية ضد إدوارد سالفاتور روسك
في قضية "ولاية ماريلاند ضد إدوارد سالفاتور روسك"، التي نظرتها محكمة الاستئناف في ولاية ماريلاند الأمريكية عام 1981، تمحور النزاع حول إدانة إدوارد روسك بتهمة الاغتصاب من الدرجة الثانية.

وقائع قضية ولاية ماريلاند ضد إدوارد سالفاتور روسك:
تدور وقائع القضية حول المدعية "بات"، البالغة من العمر 21 عامًا، التي حضرت اجتماعًا لخريجات المدرسة الثانوية في 21 سبتمبر 1977، حيث التقت بصديقتها "تيري". اتفقتا على الذهاب إلى منطقة "فيلز بوينت" لتناول بعض المشروبات. في الطريق، توقفت "بات" للاتصال بوالدتها، التي كانت ترعى طفلها البالغ من العمر عامين، وأخبرتها بأنها ستذهب مع "تيري" ولن تتأخر.
وصلت السيدتان إلى "فيلز بوينت" حوالي الساعة 9:45 مساءً، وزارتا عدة حانات. في الحانة الثالثة، اقترب روسك من "تيري"، التي كانت تتحدث مع شخص آخر، وقال لها "مرحبًا". ردت "تيري" قائلة "مرحبًا يا إيدي". ثم بدأ روسك بالتحدث مع "بات"، وأخبرا بعضهما البعض بأنهما منفصلان عن زوجيهما ولديهما أطفال.
أخبرت "بات" روسك بأنها يجب أن تعود إلى المنزل لأنها يجب أن تستيقظ مبكرًا مع طفلها. سألها روسك عن وجهتها، وطلب منها أن توصله إلى شقته. وافقت "بات" على إيصاله، مع التأكيد له بأنها تفعل ذلك كصديقة فقط.
أثناء القيادة، استمرا في الحديث. وعندما وصلا إلى شقة روسك، رفضت "بات" الدخول. أصر روسك، فقام بإطفاء محرك السيارة وأخذ مفاتيحها. ثم فتح باب السيارة وقال لها "الآن، هل ستأتين؟".
شعرت "بات" بالخوف لأنها كانت في مكان لا تعرفه، وكان روسك يمتلك مفاتيح سيارتها. قررت مرافقة روسك إلى شقته، حيث صعدا إلى الطابق الثاني. داخل الشقة، طلب روسك من "بات" الجلوس على السرير، ثم ترك الغرفة وعاد بعد بضع دقائق.
طلبت "بات" من روسك أن يسمح لها بالمغادرة، لكنه رفض. ثم طلب منها أن تستلقي على السرير معه، وبدأ في خلع ملابسها. طلبت منه "بات" أن يسمح لها بالرحيل، لكنه لم يستجب. ثم قالت له "إذا فعلت ما تريد، هل ستسمح لي بالرحيل دون أن تقتلني؟". بدأ روسك بخنقها بخفة، وقالت له مرة أخرى "إذا فعلت ما تريد، هل ستسمح لي بالرحيل؟". أجاب روسك بالإيجاب، ثم أجبرها على ممارسة الجنس الفموي والمهبلي.
بعد ذلك، سمح روسك لـ"بات" بالمغادرة، وأعاد إليها مفاتيح سيارتها. في طريقها إلى المنزل، توقفت "بات" في محطة وقود، ثم ذهبت إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن الحادث.
تم القبض على روسك في شقته، وأكد الفحص الطبي وجود سائل منوي وحيوانات منوية في مهبل "بات" وعلى ملابسها الداخلية وملاءات السرير.
في المحاكمة، قدمت "بات" شهادتها، وقدمت صديقتها "تيري" شهادة تدعم أقوالها. قدم روسك شهادته، مدعيًا أن "بات" وافقت على ممارسة الجنس معه.
أدانت هيئة المحلفين روسك بتهمة الاغتصاب من الدرجة الثانية. استأنف روسك الحكم، لكن محكمة الاستئناف أيدت الإدانة.
■ دفوع النيابة العامة:
قدمت النيابة العامة أدلة استندت إلى شهادة المجني عليها، بات، التي زعمت أنها تعرضت للاغتصاب من قبل روسك. وقد استندت النيابة إلى عدة نقاط رئيسية في دفوعها:
• الإكراه والتهديد: زعمت النيابة أن روسك استخدم الإكراه والتهديد لإجبار بات على ممارسة الجنس معه. وقد استشهدت النيابة بحادثة أخذ روسك لمفاتيح سيارة بات وإطفاء محركها، مما منعها من المغادرة. كما أشارت إلى تصرفات روسك ونظراته التي وصفتها بات بأنها مخيفة، بالإضافة إلى حادثة وضع يده على عنقها.
• عدم الرضا: أكدت النيابة أن بات لم تكن راضية عن ممارسة الجنس مع روسك، وأنها خضعت له خوفًا من تعرضها للأذى الجسدي أو القتل. وقد استشهدت النيابة بتصريحات بات التي أشارت فيها إلى أنها توسلت إلى روسك للسماح لها بالمغادرة، وأنها سألته عما إذا كان سيقتلها إذا لم تفعل ما يريده.
• شهادة المجني عليها: اعتمدت النيابة بشكل كبير على شهادة بات، التي وصفت بالتفصيل الأحداث التي وقعت في شقة روسك. وقد أشارت النيابة إلى أن شهادة بات كانت متسقة ومفصلة، وأنها قدمت أدلة مادية تدعم ادعاءاتها، مثل وجود السائل المنوي في مهبلها وعلى ملابسها وملاءات السرير.
■ دفوع الدفاع:
قدم الدفاع عن روسك دفوعًا مضادة، مشككًا في صحة ادعاءات النيابة. وقد استند الدفاع إلى عدة نقاط رئيسية في دفوعه:
• الرضا: زعم الدفاع أن بات كانت راضية عن ممارسة الجنس مع روسك، وأنها لم تتعرض للإكراه أو التهديد. وقد استشهد الدفاع بشهادة روسك، الذي زعم أن بات جاءت إلى شقته بإرادتها الحرة، وأنها شاركت في ممارسة الجنس برضاها. كما أشار الدفاع إلى تصرفات بات التي وصفها الشهود بأنها كانت ودودة ومتقاربة مع روسك.
• عدم وجود إكراه: نفى الدفاع أن يكون روسك قد استخدم الإكراه أو التهديد لإجبار بات على ممارسة الجنس معه. وقد أشار الدفاع إلى عدم وجود أدلة مادية تدعم ادعاءات بات بالإكراه، مثل وجود كدمات أو إصابات على جسدها. كما أشار الدفاع إلى أن بات لم تحاول الهروب أو طلب المساعدة، وأنها غادرت شقة روسك دون مقاومة.
• تشكيك في شهادة المجني عليها: حاول الدفاع تشويه مصداقية شهادة بات، مشيرًا إلى تناقضات في أقوالها وعدم اتساقها مع شهادات الشهود الآخرين. كما أشار الدفاع إلى أن بات كانت تحت تأثير الكحول في وقت وقوع الحادث، مما قد يؤثر على ذاكرتها وقدرتها على تذكر الأحداث بدقة.
مسار التقاضي في قضية ولاية ميريلاند ضد إدوارد سالفاتور روسك
1- محكمة الجنايات في بالتيمور (المحكمة الابتدائية):
أدانت هيئة المحلفين بهذه المحكمة إدوارد روسك بتهمة الاغتصاب من الدرجة الثانية، مستندة إلى المادة 27، الفقرة 463 (أ) (1) من قانون ميريلاند التي تنص في الجزء ذي الصلة على أنه:
"يُعتبر الشخص مذنبًا بالاغتصاب من الدرجة الثانية إذا مارس الجماع المهبلي مع شخص آخر:
(1) باستخدام القوة أو التهديد بها ضد إرادة الشخص الآخر ودون موافقته؛ ...".
وقد استندت المحكمة في قرارها إلى شهادة الضحية (بات)، التي وصفت كيف أجبرها روسك على مرافقته إلى شقته بعد أخذ مفاتيح سيارتها، مشيرة إلى نظرة أرعبتها في عينيه وتوسلاتها له للسماح لها بالرحيل. ورأت المحكمة في هذه الأدلة مجتمعة ما يدعم استخدام القوة أو التهديد. كما اعتبرت أن خنق المتهم للضحية، حتى لو كان خفيفًا، يشكل قوة كافية لإثبات جريمة الاغتصاب.
2- محكمة الاستئناف الخاصة في ميريلاند:
استأنف روسك الحكم الصادر ضده أمام محكمة الاستئناف الخاصة في ميريلاند. نظرت المحكمة في القضية بكامل هيئتها، وأصدرت حكمًا بأغلبية 8 قضاة مقابل 5، قضى بإلغاء حكم الإدانة.
استندت المحكمة في قرارها إلى سابقة قضائية، وهي قضية هازل ضد الولاية (Hazel v. State)، التي تتطلب وجود أدلة كافية لإثبات استخدام القوة أو التهديد بها في جرائم الاغتصاب من خلال إثبات أن الضحية قاومت، وأن مقاومتها قُهرت بالقوة، أو أنها مُنعت من المقاومة بسبب تهديدات لسلامتها (الخوف المعقول).. رأت المحكمة أن الأدلة المقدمة في قضية روسك لم تكن كافية لإثبات ذلك.
حيث اعتبرت أن مجرد امتلاك المتهم لمفاتيح السيارة لا يكفي لمنع الضحية من طلب المساعدة، كما أنها رفضت تفسير "النظرة في عينيه" كدليل على التهديد باستعمال القوة، واعتبرت أن "الخنق الخفيف" يمكن أن يفسر على أنه مداعبة قوية.
3- محكمة الاستئناف في ميريلاند (المحكمة العُليا):
طعنت ولاية ميريلاند في حكم محكمة الاستئناف الخاصة أمام محكمة الاستئناف في ميريلاند، وهي أعلى محكمة في الولاية.
وأصدرت حكمًا قضى بإلغاء حكم محكمة الاستئناف الخاصة وأيدت حكم الإدانة الصادر عن المحكمة الجنائية في بالتيمور.
استندت المحكمة في حكمها إلى مبدأ "جاكسون ضد فرجينيا"، الذي ينص على أن المحكمة لا تسأل عما إذا كانت تعتقد أن الأدلة تثبت الذنب بما لا يدع مجالاً للشك، بل عما إذا كان أي محلف عاقل يمكن أن يجد العناصر الأساسية للجريمة بما لا يدع مجالاً للشك.
وأن محكمة الاستئناف الخاصة تجاوزت سلطتها في تقييم الأدلة وتحديد مصداقية الشهود، لأ مسألة ما إذا كانت الضحية قد تعرضت للقوة أو التهديد بها هي مسألة واقعية يجب أن تقررها هيئة المحلفين.
كما أكدت المحكمة على أن قضية هازل تتطلب حتى تعتبر الواقعة اغتصابا إظهار القوة أو التهديد بها، موضحة أن القوة لا يجب أن تكون جسدية بالضرورة، بل يمكن أن تكون ضمنية، مثل التهديد الضمني أو الخوف الذي يسببه المتهم للضحية. وأن عدم موافقة الضحية يمكن إثباته من خلال المقاومة أو الخوف.
وفي هذه القضية، رأت المحكمة أن أخذ روسك لمفاتيح سيارة بات، ومنعها من المغادرة، وتهديدها ضمنيًا، وخنقها بشكل خفيف، كلها أدلة تدعم فكرة استخدام القوة أو التهديد بها.
وقد رأت المحكمة أن الأدلة المقدمة في المحاكمة كانت كافية لإثبات أن روسك استخدم القوة أو التهديد بها، وأن من حق هيئة المحلفين الأخد بشهادة بات التي زعمت أنها شعرت بالخوف على حياتها وتصديقها وعدم تصديق شهادة روسك، لأن مسألة الخوف المعقول (غير المطلق) للضحية هي مسألة واقعية يجب أن تقررها هيئة المحلفين تبعا للضروف المحيطة.
وقد عارض القاضي كول، وانضم إليه القاضيان سميث وديجيس، قرار هذه المحكمة بالأغلبية، معتبرًا أن الأدلة المقدمة لم تكن كافية لإثبات وجود قوة أو تهديد بالقوة.
❐ مرجع الحكم:
إرسال تعليق على: "مفهوم الاغتصاب باستعمال القوة أو التهديد بها في قضية ولاية ماريلاند الأمريكية ضد إدوارد سالفاتور روسك"
✍ شَارك رأيك ⌨ مع مُجتمع مركز القانون العربي 🎯
☜ يُرجى الالتزام بقواعد التعليقات ⚠. التعليقات التي تحتوي على إساءة أو تشهير أو دعاية أو محتوى مسيء لن يتم نشرها بعد المراجعة اليدويّة.